تفسير سورة العلق الجزء الاول

📚 *تفسير و تدبر سورة العلق من دورة الأترجة* .
         (الجزء الأول)

💦 هذه السورة الكريمة هي أول ما نزل من القرآن.
وهذا هو الصحيح بلا إشكال .

💦 وما ورد مما يدل على أن غيرها قد حظي بالأولية ، فإنما المراد به أولية مقيدة ، كالأولية التي ذكرها جابر بن عبد الله في سورة المدثر فإنما المقصود بها أنها أول سورة نزلت بعد فتور الوحي .
💎 قال عليه الصلاة والسلام : « فجاءني الملك الذي جاءني في غار حراء » ، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام .

💦 تسمى سورة العلق ، وتسمى سورة اقرأ ، واقرأ بسم ربك ، هذه أسماء لهذه السورة الكريمة.

💦وهي سورة مكية .

💦 محور هذه السورة فهو عن أساس هذه الدعوة ، وهي كرامة الله -عز وجل- للإنسان بالوحي الذي أنزله عليه .

🔮قال الله - عز وجل : 📖 ﴿ *اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ*﴾
💦 هذا كتاب جاء بالعلم، جاء بالبينات والهدى .

💎 ثم قال تعالى :
📖 ﴿ *كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى*﴾ 💦 يعني ما يصده عن الإيمان إلا طغيانه
يقبله.

💦فالله - عز وجل - يُبين لنا السبب الأكبر في إعراض أكثر الخلق عن قبول الحق ، وهو الطغيان الذي سببه الاستغناء، أن يشعر الإنسان بأنه مستغنٍ، ليس بحاجة إلى شيء، هذا محور هذه السورة فيما أرى.

أما مناسبة السورة: فنلاحظ أن الله -عز وجل- في سورة التين بيَّن تكريم الإنسان، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، هذا تكريمه في بدنه، وأن الواجب عليه أن يشكر هذه النعمة التي أنعم بها عليه عندما حسَّن خلقه، فإما أن يكون مؤمنًا، وإما أن يكون كافرًا، وأكثر الناس يكونون كافرين، كما قال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التين 4، 5]، وهؤلاء قليل ما هم.

💦وفي هذه السورة يأتي مرة أخرى إلى قضية التكريم ، فالله -عز وجل- كرمنا بأعظم كرامة، في سورة التين كرامة الخِلقَة، وفي هذه السورة كرامة الوحي ، أنزل علينا هذا الوحي الذي يُتلى، وأمرنا بالقراءة وبالعلم، فكرامة الإنسان به.

💦ثم بيَّن صنفًا من الناس يُعرض ويستكبر ، بل ويصد عن دين الله ، ويؤذي الدعاة إلى الله - عز وجل.
وما هو المخرج مع هؤلاء؟
📖﴿ *كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ*﴾.

💦نأتي الآن إلى هذه السورة الكريمة آية آية -نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن ينفعنا بها.

🔮يقول الله - عز وجل:
📖﴿ *اقْرأْ*﴾
💦 هذه أول كلمة نزلت من القرآن، ﴿اقْرأْ﴾، أمر بالقراءة، وهذا يدلنا على أن الإنسان لا يزال بخير ما دام يقرأ ..
لكن ﴿اقْرأْ﴾ أي شيء؟

📖﴿ *اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*﴾
💦 أي مستعينًا باسم ربك الذي خلق .
💦 ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، أي تقول : بسم الله.

📖﴿ *الَّذِي خَلَقَ*﴾، خلق كل شيء ، ومنه خلق الإنسان.
ولذلك قال بعد أن أطلق خصَّص فقال:
﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾.
💦خلق الإنسان من قطعة دمٍ جامدة ، لأن الإنسان يبدأ نطفة ، هذه النطفة تتخلق فتصبح علقة ..
💦 وسميت علقة لأنها تعلق في جدار الرحم ، وهي - سبحان الله - في هذا الطور تشبه العلقة التي هي دويدة صغيرة أو حشرة صغيرة تعيش في الماء ، حتى إن أحد كبار علماء الطب في هذا العصر أو علماء الأجنة تعجب من هذا الاسم لهذه المرحلة ، وقال : ما شيءٌ من مخلوقات الله يشبه الجنين في هذه المرحلة مثلها، وهي مرحلة العلقة.

🔮قال: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ﴾
💦 كرر الأمر تأكيدًا واهتمامًا بشأن القراءة، فمن قرأ عَلِم ، من قرأ اهتدى ، من قرأ ما ينفع وخصوصًا ما أنزل من وحي ربه لا شك أنه سيصل إلى الحق .

🔮﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾، 💦وهذا من كرم الله ، كرم الله على عبده أن علمه القراءة ، من كرم الله على عبده أن أنزل عليه هذا الوحي .

🔮 ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾، 💦أيضًا هذا لونٌ من ألوان كرم الرب - سبحانه وتعالى - أن أعطانا علم القلم .
و علم بالقلم هو العلم بالكتابة ، فنحن ندوِّن المعلومات ، وندوِّن الوحي ، ونحفظ التواريخ ، ونحفظ الحقوق بهذا القلم ، فلولا أن الله خلق هذا القلم ، لأصبح الناس كالبهائم ، لا ينبني تاريخ البشرية بعضه على بعض ، فنحن الآن نقرأ في كتب المتقدمين ونستفيد منها معلومات ، أو نبني عليها مكتشفات ومخترعات وأمور كثيرة جدًا .
💦وأيضًا توثيق الحقوق، لولا أن الله خلق لنا هذا القلم ما توثَّقت الحقوق، فاعتدى بعض الناس على بعض ، ولا عرف هذه السيارة يملكها فلان ، ولا هذه الأرض يملكها فلان ، وهذا البستان يملكه فلان، وهذا الكتاب لفلان وليس لفلان ، الذي يوثق ذلك هو القلم ..
💦 ولذلك هذا الكتاب العظيم الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - وُثِّق بطريقتين :
- طريقة القراءة والتلاوة والتلقي .
- وطريقة الكتابة.
ولا تقبل إحدى الطريقتين إلا بالأخرى، فهما شاهدا عدلٍ على هذا الكتاب ، ولذلك كان الصحابة لا يقبلون مكتوبًا إلا وأن يكون معه شيء مقروء ، ولا يقبلون مقروءًا إلا معه شيء مكتوب ، وبهذا جمعوا المصحف بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم .

💦وقد جمعهم الله في هذه الآيات ، قال : ﴿اقْرأْ﴾، ثم قال :
📖 ﴿ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ*﴾

💦أي علم الإنسان علومًا لم يكن له بها علم .

💦وأنتم ترون ، أمس ما كان الناس يعرفون مثل هذه الأجهزة ، اليوم يرونها ويلمسونها ، ويستطيعون من خلالها الاتصال بالعالم كله ، يقضون حوائجهم ، ويصلون إخوانهم وأقاربهم من خلال جهاز كأنه نافذة على العالم تطل منه على أخيك الذي يعيش في أمريكا ، وقريبك الذي يعيش في اليابان ، هذا علم ، من أين؟ من الله ، هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم .

💦كنا فيما مضى لا يستطيع أحد أن يتصور أنك خلال ساعة أو ساعتين تصل إلى مكة، أو تصل إلى دولة أخرى مجاورة ، ولكن تحتاج إلى أيام وليال حتى تصل إلى البلد الذي تريده.
💦اليوم تجد الرجل يتعشى أو يتغدى في بلد، ثم يتصل عليك في وقت العشاء وهو في بلد آخر يبعد عنك بخمس أو ست أو عشر ساعات. كيف يكون هذا؟ هذا بتعليم الله - عز وجل.

💦فهذا العلم الذي يحصل عليه الناس ما هو إلا من الله ، وليس بجهد الإنسان وحده ، إنما جهد الإنسان سبب للوصول إلى العلم الذي يكون من الله -سبحانه وتعالى .

ولذلك -يا إخواني- كثير من الاكتشافات هو توفيق إلهي ، يهدي الله العباد إليه .

🔮ثم قال الله - عز وجل:
📖﴿ *كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى*﴾،

💦﴿كَلاَّ﴾ هنا يمكن أن تكون بمعنى الردع والزجر، 💦 والأرجح عندي أنها بمعنى حقًا ، لأن ﴿كَلاَّ﴾ تأتي في القرآن بمعنى حقًا، وتأتي في القرآن بمعنى الردع والرَّد والزَّجر، فإن جاء قبلها كلام يرد فهي بمعنى الرد ، وإن لم يأت قبلها كلام يُرد فهي بمعنى حقًّا.

💦إذن ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى﴾ معناه : حقًّا إن الإنسان ليطغى.

قوله:
📖﴿ *إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى*﴾ هل المراد به عموم الناس؟ أو المراد به الإنسان الكافر؟ لا شك أن الكافر هنا مقصود، لكن هل العموم مقصود؟
💦عموم الآيات يدل على أن المقصود بها هو الإنسان الكافر الذي يطغى فلا يعبد الله ، بل يتجاوز الحد فيعتدي على عباد الله ويؤذيهم وينهاهم عن الصلاة ، ويصدهم عن دين الله .

قال الله:
📖﴿ *كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى*﴾
❓ كيف يطغى؟
💦الطغيان هو: تجاوز الحد ، ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: 11]

💦 فمعنى قوله : ﴿لَيَطْغَى﴾ ، يعني يتجاوز حدَّه ..
💦 فهو لا يكتفي -والعياذ بالله - بأن ينظر في الأدلة التي تأتيه من الأنبياء ، بل يتجاوز الحد إلى ردها ، ثم يتجاوز حده أكثر وأكثر إلى أن يدعو الناس إلى ضدها ، وأن يكذب بها ، وأن يسعى في صد الناس عن دين الله - عز وجل .

📖﴿ *كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى*﴾، 💦أي بأن رآه استغنى ، بسبب أن رأى نفسه قد استغنى .

🅿لاحظوا دقة التسبيب القرآني ، يعني سبب الطغيان هو أن الإنسان يرى نفسه قد استغنى ، لا حاجة له بأحد ، لا بالله ، ولا بأحد ..
💦 فهذا يورثه الطغيان، وإذا أورث الطغيان ردَّ البرهان ، وتعدى على الدليل ، لو جاءته أكبر حجة من الله ما قبلها ما دامت تخالف هواه وشهوته.

===============

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تدبر في سورة الجن